الطاقة والحياة

المهندس الفلسطيني “لؤي البسيوني” يشارك فى أول مركبة فضائية تهبط على سطح المريخ

“لؤي البسيوني”، عالم فلسطيني تنحدر أصوله من بلدة “بيت حانون”، شمال قطاع غزة، ترأس فريقاً لصناعة أول طائرة هليكوبتر تتبع لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”.  طلبته شركة “جنرال الكتريك” ليعمل على تطوير مشروع السيارات الكهربائية، ثم انتقل الى شركة أمريكية أخرى ليتخصص في مجال الطائرات الكهربائية المسيرة، وتحديداً صناعة محركات خفيفة جداً.

تغيرت حياة لؤي البسيوني عندما تعاقدت الشركة التى يعمل بها مع “ناسا” الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء، وهي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية. تم اختياره من قبل الشركة على رأس 8 مهندسين فنيين لتصميم نظام الدفع الكهربائي والتحكم فيه وبناء هيلوكوبتر مسيرة اُطلق عليها لقب “إنجنوتي”، تحملها المركبة المسماة “المثابرة” تستطيع الطيران والتنقل فوق سطح المريخ لجمع المعلومات، وهذا أمر صعب للغاية فالطيران في المريخ شبه مستحيل لقلة الهواء، كما أن الأشعة النووية تؤثر على المحرك، بالإضافة درجة الحرارة على الكوكب الأحمر تصل الى مائة درجة تحت الصفر.

حكاية العالم الفلسطيني والتى بدأت مع الحصول على منحة دراسية جزئية في جامعة بنسلفانيا، بعدما غادر قطاع غزة، حيث ولد, بعد أن عاد إليه طفلاً في عمر السادسة، بعد انتهاء والده الطبيب من رحلة علمية قضاها في ألمانيا.

شغف “لؤي البسيوني” بصنع المجسمات الكهربائية بدأ عندما أخذ يكتشف نفسه أول مرة في سن العاشرة، بعدما قام في تصليح جهاز مُعطلٍ لرش المبيدات الزراعية. كان والده الذي مُنع من العمل كطبيب بقرار إسرائيلي، بسبب نشاطه السياسي يستخدمه في بساتين البرتقال والزيتون، وما تلا ذلك من اهتمامات، قال إنها لم تكن تناسب مرحلته العمرية، “لكنها بالنسبة لي كانت الشغف”.

عندما غادر لؤي البسيوني إلى الولايات المتحدة كان يبحث عن المستقبل، والده كان يريده طبيباً، وأرد “لؤي” أن يكون مهندساً كهربائياً، العيش في غزة علمه الإصرار على بلوغ الأهداف، وها قد وصل.

تربى” لؤي” بين أحضان الطبيعة في حقول البرتقال وأشجار الزيتون، كان  يسعى لإيجاد وسائل بديلة تساهم في حماية البيئة من كل الملوثات المحيطة من كل جانب، ولكنه لم يكن يتوقع أن تكون وكالة “ناسا” هي المحطة، التي سيصل إليها، ولا أن يكون المريخ هو المكان الذي سيستقبل كل الأفكار التي تتزاحم في عقله حول كيفية الوصول لتقديم خدمة للبشرية. أصبح “لؤي البسيوني” حديث وسائل الإعلام العالمية بعد وصول طائرة “إنجينيوتي” التي صنعها أخيرًا للكوكب الأحمر.

واجه لؤي البسيوني خلال رحلته في أمريكا العديد من الصعوبات، لم يكن آخرها شعوره بالاغتراب، فالشاب الذي غادر قطاع غزة المكان الأكثر ازدحماً بالأحداث والأضيق في المساحة وهو في عمر التاسعة عشرة، لم يكن يعرف أن انتقاله للعيش في الولايات المتحدة سيجعله أمام مواجهة حقيقية مع حياة لم يكن يراها إلا في البرامج والأفلام.

صعوبات كثيرة

الشعور بالوحدة، وانعدام سبل العيش، التي اعتاد عليها في بلدته بيت حانون، والتي كان يقضي وقته فيها إما باحثاً عن الجمال بعدسة كاميرته، التي كانت هوايته الثانية، أو عاملاً مع والده كمزارع في الأرض، لم يكن هو فقط ما واجهه المُهندس الفلسطيني، فبعد زيارته الأولى والأخيرة عام 2000 إلى قطاع غزة ومع بدء اشتعال أحداث انتفاضة الأقصى جرف الاحتلال الأراضي الزراعية لعائلته، وهو ما حال دون تمكن والده من مساندته في دفع مصاريف الجامعة لمواصلة تعليمه والوصول إلى شغفه وهو ما دفعه للتوقف عن الدراسة في سنته الدراسية الثانية.

لم يكن أمام لؤي البسيوني من خيارات سوى التخلي عن مقاعد الدراسة لصالح البحث عن فرصة عمل تساعده على الأقل لمواصلة العيش، لم يكن الأمر سهلاً، كان يضطر للعمل في مطاعم تقديم الوجبات السريعة، ومن ثم انتقل للعمل في توصيل البيتزا، كنت أعمل لما يزيد عن المئة ساعة أسبوعياً.

ومع ازدياد الأوضاع صعوبة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عام2001، أصبح من شبه المستحيل أن يغادر ويتخلى عن حُلمه الذي انتظره طويلاً، ولا أن يبقى تحت وطأة الإجراءات المُعقدة التي بدأت تواجهه كعربي يعيش في الولايات المتحدة.

نقطة فاصلة

فى هذه الاثناء تعرض لؤي البسيوني للعديد من المواقف العنصرية، وكان أبرزها تلك التي تعرض فيها للضرب من قبل مجموعة من الطلاب بعدما قام بتوصيل “البيتزا” لهم، وشتموه بعدد من العبارات العنصرية، حيث تحولت هذه الحادثة لقضية رأي عام شكلت نقطة تحول في حياة البسيوني.

تحولت قضيته لتصبح مثار جدل في الأوساط الأمريكية دفع رئيس قسم الهندسة الكهربائية في جامعة كنتاكي، الجامعة التي كان يدرس فيها، لعرض فرصةٍ للعمل في القسم، قبل أن يصطدم مجدداً بعقبة عدم قدرته على مواصلة الدراسة، بسبب عدم حصوله على أوراق رسمية تؤهله لاستكمال الدراسة فيها.

يقول البسيوني انتقلت بعد ذلك لجامعة “لويفيل” وأنهت فيها دراستي الأساسية عام 2002، وحصلت على الشهادة الجامعية الأولى في هندسة الكهرباء، وبعدها بثمانية أشهر حصلت على درجة الماجستير من الجامعة ذاتها عام 2004.

يقول: فرصتي فى الحصول على عمل يناسب عناء سنوات من الدراسة لم تكن كبيرة بالقدر الكافي، فلم أكن يحصل على حقوقي المالية كوني لا أحمل حقوق المواطنة، وكانت الفرص الأفضل تذهب لحاملي الجنسية الأمريكية.

يستطرد ” الأمر الذي جعلنى أتنقل بين الشركات العاملة في مجال محركات السيارات الكهربائية، ومن ثم الطائرات الكهربائية، والطائرات المُسيَرة، حتى وقع علي الاختيار لأكون رئيساً للفريق العامل على إنشاء أول طائرة عمودية مروحية، وذلك ضمن مشروع تعاقدت عليه الشركة، التي  أعمل فيها مع وكالة “ناسا”.

تجربة فردية هذه المرة، دخل في تحد كبيرٍ وفريق العمل، من أنه يجب أن ينجح في إيصال أول طائرة لكوكب المريخ، كان في مزيج من المشاعر والأفكار، تتأرجح بين الشغف لتحقيق هذا الحُلم والقلق من فشل التجربة التي انطلقوا فيها، عام 2014.

انتهوا من وضع التصميمات، عام 2018، سبقها في ذلك إجراء الدراسات النظرية وعمل الحسابات اللازمة لضمان وصولها للمريخ، دون أن تنفجر إذا ما غادرت الغلاف الجوي للأرض، كان هذا التحدي الأكبر بالنسبة لهم.

فالصاروخ الذي حملهم انطلق من الأرض في، يوليو 2020، ووصل في الثامن عشر من شهر، فبراير 2021، في رحلة استغرقت نحو سبعة أشهر قُطعت خلالها ملايين الأميال.

المهمة الرئيسية لـ “لؤي البسيوني” في هذا الانجاز التاريخي، يكمن في تصميم المحرك الرئيس للطائرة، والمحرك الخادم، وواجهة الكهرباء والأسلاك، كما ساعد في وضع خوارزمية العاكس، التي تتحكم في المروحية عن بعد، علاوة على التعامل مع مواد الرصاص الكهربائي والألياف الكربونية، التي تدخل في صناعة هيكل الطائرة.

فعلتها “انجينيويتي” ووصلت

ووصف البسيوني جملة المشاعر، التي انتابته خلال رحلته الطويلة للوصول لهذا الإنجاز، الذي احتفى به العالم كونه الأول الذي يصلُ إليه العلم الحديث، والتي اختلطت بين الفرح والخوف والقلق، قائلا: “كنت أفكر لسنوات عديدة، أين سوف أكون في هذا اليوم؟ من الذي سيرافقني عندما أشاهد لحظة وصولها، أول علامات النجاح أنها لم تنفجر عندما خرجت من نطاق الغلاف الجوي، لقد فعلتها، وصلت انجنيويتي أخيراً للكوكب الأحمر”.

في اليوم الذي حلق البسيوني فيه بالطائرة لم ينم طوال الليل وكان ينتظر توارد المعلومات، التي كانت تجمعها وتؤكد نجاح وصولها لسطح المريخ، لم يكن يعرف ما إذا كان عليه أن يبتسم أم يبكي من الفرح، أم يشعر بالفخر لكونه الفلسطيني الوحيد، الذي استطاع أن يحقق هذا. “لا يمكن وصف تلك اللحظة حقاً”، هكذا يقول لؤي البسيوني.

وحول الهدف من تسيير طائرة مروحية لكوكب المريخ، وعما إذا كان العلماء يبحثون عن حياة أخرى على كوكب غير الأرض، يقول البسيوني, السبب الرئيس هو البحث عن تاريخ هذا الكوكب، الذي تقول الروايات القديمة المتداولة إنه ثمة حياة كانت فيه، مشيراً إلى أن الغرض الرئيس هو معرفة الماضي لاستشراف المستقبل.

ولفت البسيوني إلى وجود سلسلة من المشاريع الموازية التي قد يتواصل العمل عليها مع وكالة الفضاء الأمريكي من أجل إثبات نظريات علمية ذات صلة بماهية الحياة السابقة على المريخ.

تم نشر هذا المحتوي علي جريدة عالم التنمية برعاية

أكاديمية “بناة المستقبل” الدولية

برئاسة أم المدربين العرب – الدكتورة “مها فؤاد” مطورة الفكر الإنساني

و” المنظمة الامريكية للبحث العلمي”

www.us-osr.org

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى