الجزء الأول من تلخيص كتاب “حصاد الأصول غير المادية” تأليف :أندرو شيرمان

“حصاد الأصول غير المادية”
كلنا مزارعون !
يوم وجد الإنسان نفسه على كوكب الأرض كان عليه أن يأكل خبزه بعرق جبينه، قبل أن يعرف أي شكل من أشكال الصناعة، وبالطبع قبل أن تكون هناك تجارة حتى في أبسط صورها، إذ لم تكن هناك أي سلعة تباع أو تشترى، لم يكن أمام الإنسان سوى أن يفلح الأرض ويأكل من ثمرها.
كمزارعين، نحن نضع حدودًا للأرض التي نمتلكها ونقوم بحمايتها، ثم نزرع البذور ونقوم بتخصيب التربة وحرث الأرض. يتلو ذلك حماية المزروعات من الظروف الجوية السيئة والظروف البيئية غير المواتية. بعد ذلك، نستعدى للحصاد، ونحمي الكرمة من الصقيع. ونأمل في الأفضل بيد أننا نستعد للأسوأ، حيث إن السوق هي التي تحدد ثمن جهودنا. كما أننا نتبنى فكرة أن نتائجنا مرتبطة مباشرة بمستوى جهودنا وخبراتنا. وبعد أن تنتهي تلك الدورة، أي بعد أن نبيع المحصول نبدأ من جديد.
بغض النظر عن مهنتك، وعما تقدمه شركتك، وبغض النظر عن ظروفك الحياتية، فإننا جميعًا نتبع قواعد دورة العمل الزراعي، التي تمتد جذورها إلى فجر التاريخ البشري، فنشكل في مجموعنا ”المزارعون الجدد“!
لكن هل نسلم بأننا نتقن هذه القواعد؟ هل تعلمنا من النجاح والفشل في النظم الاقتصادية السابقة القائمة على الزراعة؟
وهل يمكننا أن نتعلم تطبيق الطرق التقليدية وكذلك أحدث تقنيات الزراعة في حياتنا اليومية وفي تطوير شركاتنا؟ كيف نجعل حياتنا أكثر متعة وكيف لنا أن نزيد إنتاجية شركاتنا وأرباحها من خلال تطبيق النمط الزراعي على تخطيطنا للحياة، وإدارة الوقت، وتخصيص الموارد، وجمع ثمار الابتكار وإعادة تشكيل نماذج الأعمال؟
علينا جميعًا أن نتبنى تلك المبادئ المستقاة من نمط العمل الزراعي في سبيل بناء الشركات وتعزيز الابتكار، وهنا علينا أيضًا أن نستدعي الشروط المعمول بها والتي تدعم ثقافة الشركات والتي يرجح أن تأتي بحصاد وفير وتزرع بذور الإبداع والتشجيع وحب
الاستطلاع والتعاطف والاحترام والوفاء والتحدي بصفة مستمرة داخل بيئة العمل.
يجب أن نعرف الأدوات الأكثر فاعلية لتعزيز المبادئ الأساسية لهذه الثقافة. كما أنه من الأفضل أن نتخذ خطوات لإدارة الظروف التي تخضع لسيطرتنا وتطوير ”خطة بديلة“ لتلك الظروف التي لا نستطيع التحكم فيها. غير أن الأهم من ذلك هو تطوير نمط العمل الزراعي عن طريق الاستصلاح والاستثمار الكامل لتنمية وتطوير رأس المال البشري من خلال توفير التعليم والتدريب للعاملين
في شركاتنا على جميع المستويات حتى يتعلموا كيف يصبحون مزارعين داخل شركاتنا وفي حياتهم الخاصة.
النافذة المثالية للحصادة
يقصد بالعقلية الزراعية أن هناك نافذة أو طريقة مثالية محددة لجلب حصاد وفير للسوق. بيد أنك إذا جمعت المحاصيل قبل الأوان، فلن يكون المنتج قد نضج بعد، وبالتالي لن يشتريه أحد. وبالمثل إذا تأخرت عن الموعد المناسب للحصاد، سيكون المحصول قد فسد، ولن يصلح بعد لشيء إلا للتخلص منه. فلماذا لا نتبع نفس النهج بالنسبة إلى المنتجات والخدمات غير القابلة للاستبدال؟ لكل فكرة جديدة، هناك فرصة سانحة توازي موسم الحصاد. ومن هنا يجب على مستثمري رأس المال الفكري أن يكونوا شديدي الحساسية لهذه الدورات والتحولات في أوضاع السوق وأنماط الطلب على السلع الاستهلاكية، وإلا، فإنهم يعرضون حقوق المساهمين للرياح لتعصف بها.
هل قيمة الشركة في أصولها المادية فقط ؟
في وقت مضى كان من السائد، عندما تكون هناك حاجة إلى فهم ”سريع“ لصافي قيمة شركة ما أن تدرس ميزانيتها العامة لتحديد أصولها، وطرح مجموع مصروفاتها، والتوصل إلى صافي قيمتها. وربما رأيتم بندًا صغيرًا لا يلتفت إليه كثيرون – ولا يدخل بقيمة رقمية في الموازنة – وهو ”حسن النية“ وذلك للتعرف على القيمة المعنوية والفكرية للمنتج وعلاقة العملاء به. غير أنه
في مجتمع اليوم الذي تحركه المعلومات والأصول غير المادية، يصبح النظر إلى صافي القيمة المعتمدة على الأصول المادية لتحديد قيمة الشركة أشبه بأن تخبر أحد المزارعين أن إجمالي قيمة مزرعته يقتصر على إجمالي القيمة المتوقعة للمحاصيل الموجودة لديه في تلك اللحظة!
وقد تفشل منهجية التقييم تلك والمعتمدة على الأصول المادية فقط في أن تأخذ في الاعتبار القيمة الجوهرية لعمله الزراعي وأفكاره التطويرية، ومهاراته وقنوات التوزيع، وعلاقته مع مَن يعملون معه، وأرضه، والمحاصيل التي ستنتجها في المستقبل، والنظم التي يطبقها، والعمليات التي يقوم بها، ومهاراته القيادية.
من ثم، ينتقص إنكار الأصول غير المادية وعدم اعتبارها أصولاً حقيقية من نوعية المعلومات المقدمة في الميزانية العمومية. ليس هذا فحسب، فالأخطر من ذلك هو التأثير السلبي لهذه العملية على قياس الأرباح، إذ يتم تشويه ربط الإيرادات بالنفقات بسبب المصروفات الأولية مثل الصرف الفوري على الأصول غير المادية وتسجيل الإيرادات في الفترات اللاحقة والتي لا علاقة لها بهذه التكاليف. فعلى سبيل المثال: إذ تنشأ مشروعات الأبحاث والتطوير بعد تطبيق اختبارات الجدوى (مثل اختبارات ألفا وبيتا المطبقة
على منتجات البرمجيات) حتى تصل إلى كونها منتجات نهائية، وهنا يتلاشى عدم اليقين بشأن الجدوى التكنولوجية والنجاح التجاري شيئًا فشيئًا. وفقًا لذلك، لا بد أن تعترف الحسابات بالاستثمارات غير المادية كجزء من الأصول مع الفوائد العائدة منها والتي مرت ببعض اختبارات الجدوى التكنولوجية المحددة سلفًا.
لذا، يتعين على المديرين تطوير قدرتهم على تقييم العائد المتوقع من الاستثمار في البحث والتطوير، وتدريب الموظفين، وتكنولوجيا المعلومات، وتعزيز المنتجات، والأنشطة الإلكترونية، والأصول الأخرى غير المادية ومقارنة هذه العوائد بتلك الاستثمارات المادية في محاولة لتحقيق التوزيع الأمثل لموارد الشركات. ولا تملك معظم الشركات التجارية اليوم المعلومات والأدوات اللازمة
لإدارة الأصول غير المادية بطريقة فعالة.
لذلك على المدير الجدير معرفة سبل تطبيق مبادئ النضج والإعطاب، والعمر الافتراضي لحصاد رأس المال الفكري، والمعرفة والأفكار، والابتكار، والحلول، والاتصالات، وبناء العلاقات، وتقديم المشورة والتوجيه، وتقديرها بأرقام محسوبة، حتى يكتشف مكونات ثروته الحقيقية الجامعة بين الأصول المادية وغير المادية.
مسيرة الكشف عن الاصول غير المادية
الكشف عن قيمة الأصول غير المادية والتعرف على رأس المال الفكري وإدخالها ضمن قيمة المؤسسات يتطلب إعادة صياغة وتحويل الطرق التقليدية التي تطبق في العمل واستدعاء عنصري الإبداع والابتكار.
ويتضمن الابتكار مناهج جديدة، ونماذج أعمال غير تقليدية، وقنوات مستحدثة، ومقترحات متباينة، وخططًا جديدة للتسعير، بالإضافة إلى استراتيجيات حديثة في التسويق وتصنيف المنتجات. ولا بد أن يكون هناك استعداد لتحدي الطرق التقليدية التي تسير بها الأمورمع التجاهل الصحي للقاعدة كجزء من السعي لتحسين الأمور وبهدف الحصول على ربحية أعلى.
مثلاً، فقد ساعدت المتغيرات المستحدثة والخارجة عن التقليد في التصنيف والجودة وتجديد المنتجات والتغليف والمواد الغذائية المضافة ومكسبات الطعم، ساعدت كلها في جعل الجيل الذي كان يشرب المياه من الصنبور يتجه في عام 2010 ، لإنفاق أكثر من 80 مليار دولار لشراء زجاجات المياه المعبأة التي ظهرت في عدة أشكال كالمياه الغازية، والمشروبات المضاف إليها النكهات، والكافيين، والمعادن والفيتامينات، والأعشاب، والمحليات. وإذا تم اعتبار هذه المتغيرات الناتجة عن الابتكار أصولاً غير مادية ذات قيمة رقمية، فمن المؤكد أن شركات المياه تلك حققت الملايين الناتجة عن الاستثمار وليس الاستهلاك فحسب.
قد لا تغير كل الابتكارات مسار الحياة وطبيعتها، غير أنها في الغالب ما تقدم خطوط إنتاج جديدة، وخدمات مستحدثة، ومصادر جديدة للدخل، ومراكز أخرى للربح بالنسبة إلى الشركات على مختلف المستويات. فمنذ 40 عامًا مضت، ابتكر ”بيرني سادو“، وهو رجل أعمال في ولاية ”ماساتشوستس“ وصاحب إحدى شركات صناعة الأمتعة والحقائب فكرة بسيطة، تتلخص في تركيب عجلات صغيرة في الجزء الأسفل من الحقيبة. وقد تقدم للحصول على براءة اختراع في عام 1970 بعد أن ساهم في تغيير الطريقة التي كنا نتبعها في السفر وقد شهدنا في الآونة الأخيرة السلع التي تتطلب القليل من الابتكار في المنتج الأساسي المكون لها. ففي خريف عام 2010 ، على سبيل المثال، أطلقت شركات صناعة السيارات حملة لتطوير صناعة الشاحنات الصغيرة
”الميني فان“. كما ظهر في إعلانات السيارة ”سواجر واجون“ التي صنعتها شركة ”تويوتا“ زوجان يتغنيان بجمال سيارتهما. وتلا ذلك زيادة في المبيعات تعدت نسبة 20 .٪ وفي يناير 2011 ، أطلقت شركة ”بيبسي كولا“ حملة لتحويل بعض المشروبات التي تنتجها إلى وجبات سريعة حيث أنشأت خطوط إنتاج ملحقة بمنتجاتها مثل ”التروبيكانا“ و”الأدوالا“ و”يوبليت“، مثل العصائر والمشروبات التي تعطي طاقة والوجبات الخفيفة.
هذه كلها أمثلة لمسيرة بعض أفكار مبتكرة تحولت إلى منتجات، دون الحاجة إلى كثير من الاستثمارات في البحث والتطوير أو اختبارات مكلفة للسوق أو اعتماد المستهلك.
لم تتكلف سوى مبالغ زهيدة من المال، واستغرقت بضع دقائق من التفكير خارج الصندوق من الأشخاص القريبين من الشركة (مثل الموظفين) نتج عنها منتج يناسب المستهلك الذي يفضل منتجك بالفعل. وهذه هي القيمة الحقيقية للمؤسسة: قدرتها على الابتكار والخروج من الصندوق بإبداع مربح يعظم الاستفادة من أصولها غير المادية!
نقلا عن www.edara.com
لقراءة الجزءالثاني إضغط هنا
تم نشر هذا المحتوي علي جريدة عالم التنمية برعاية
أكاديمية “بناة المستقبل” الدولية و” المنظمة الامريكية للبحث العلمي”
برئاسةأم المدربين العرب – الدكتورة “مها فؤاد” مطورة الفكر الإنساني

#بناة_المستقبل
#أكاديمية_بناة_المستقبل
#راعي_التنمية_بالوطن_العربي



