الجزء الثاني من تلخيص كتاب “المتانة” تأليف : نسيم نيوكلاس طالب

القابلون للكسر
يجنح الكثيرون إلى تجنب ما لا يفهمون، أو حسب القول الشائع: الناس أعداء ما يجهلون. بيد أن فئة أخرى تلقي نفسها في اليم دون معرفة مسبقة بالسباحة إيمانًا منها بأن الصدمة هي خير معلم. أما الهشون والضعفاء فهم الذين يحرصون على نظافة ملابسهم، وجدية ملامحهم، والاطلاع على الصحف والجلوس في وضع مستقيم في الطائرة والانتظام في حضور الاجتماعات. قد
يبدو الكلام جيدًا، لكن الأمر ليس كذلك: فمن شأن كل تلك المظاهر إصابتهم بالاكتئاب وأمراض العصر.
هم أيضًا يعتبرون كل ما هو غير مرئي أو غير موجود غير مفهوم. من ثم، يميلون إلى خلط غير المعروف بغير الموجود.
القابلون للكسر سواء على الصعيد الطبي، أو الاقتصادي، أو صعيد التخطيط الاجتماعي يجعلونك تنخرط في تصرفات أو سياسات واضحة المعالم، لكنها قليلة الفائدة بدعوى أنه كلما زادت الفائدة، زادت معها المخاوف لأن المكاسب الكبيرة تحمل مخاطر
عظيمة وغير مرئية.
من أمثلة هولاء نجد القابلين للكسر طبيًا: فهم يمعنون التدخل في جسدك لأنهم ينكرون عليه قدرته على علاج نفسه أو تسكين آلامه بنفسه. من ثم، تراهم يصفون لك بلايين الأقراص ذات المردود السلبي الرهيب.
أما الساسة والمخططون الهشون، فهم يخطئون فهم الاقتصاد ويجعلونه مغسلة ملابس تحتاج للإصلاح، لكنها لا تلبث أن تنفجر. وهناك القابلون للكسر نفسيًا:
الآباء الذين يمعنون في إعطاء أطفالهم المقويات لتحسين حياتهم العقلية والعاطفية! فهناك أمهات يمنعن أولادهن من لعب الكرة كي لا تنكسر أرجلهم. أما الهشون ماليًا فهم يستخدمون نماذج أعمال لمقاومة المخاطر تحطم المنظومة البنكية ثم يعيدون استخدامها مرة أخرى! وهناك الهشون أمنيًا الذين يكدرون الأمن العام، والقابلون للكسر بالتنبؤات الذين يحثونك على المزيد من المغامرات غير محسوبة العواقب.
جدير بالذكر أن الهش والقوي والمتين مفاهيم نسبية وغير مطلقة: فكلما اقتربت من القوة ازدادت هشاشتك، والعكس صحيح (هش قوي متين). فالحرفيون أبعد عن الهشاشة من أصحاب المشروعات الصغيرة، ونجوم الفن أكثر هشاشة من المهنيين. فقد يستفيد جسدك من بعض الضربات أو الخدوش، لكنه لن يستفيد كثيرًا إن ألقيت نفسك من على أحد الأبراج.
اقطع رأسي من فضلك !
في الرواية الرومانية لإحدى الأساطير الإغريقية، يدعو الطاغية ”ديونيسيوس الثاني“ أحد رجال بلاطه المتملقين ”داموكليز“ إلى وليمة فاخرة يجلس في أثنائها تحت سيف معلق في السقف بشعرة ذيل حصان فوق رأسه. وبطبيعة الحال تتمزق الشعرة المذكورة بعد فترة، ويهوي السيف على رقبته. ولأن ”داموكليز“ هش، يطيح السيف برقبته. وفي أسطورة أخرى، نجد العنقاء تخرج
من تحت الأنقاض بعد أن تحترق؛ وهناك حيوان ”الهيدرا“ أو نجم البحر الأسطوري. لل”هيدرا“ رؤوس كثيرة، فكلما قطعت واحدة، نمت اثنتان (أي أنها عكس ”داموكليز“).
من ثم، تعشق ال”هيدرا“ الأذى والتعرض للخطر، وبالتالي، فهي مثال حي للمتانة.
مصدر المتانة (وداوني بالتي كانت هي الداء )
تخيل أنك تتعاطى جرعة معينة من السم، فتجعلك تشعر بتحسن كلي: إنها إحدى قواعد الصيدلة المعروفة باسم ”المناعة السمية“: فقليل من السم مفيد. ومن هنا نشأ مبدأ تحويل السم إلى دواء ومنه شعار الصيدلة (الحية التي تنفث سمها في كأس) فلبعض المواد المؤذية تأثير مفيد لأنه يستثير رد فعل مبالغًا فيه. بيد أنه في ذلك الوقت، لم يكن أحد ليترجم هذا في ضوء عبارة ”ومن الأذى نستفيد“، بل بالأحرى ”يجلب الدواء الأذى“ أو ”كلما زادت جرعة الدواء، صار الشفاء أسرع“.
لقد عرف القدماء ”المناعة السُمّية“ منذ زمن بعيد، لكن التأويل العلمي لهذا الاصطلاح لم يعرف حتى عام 1888 حين لاحظ خبير السموم الألماني ”هوجو شولتز“ أن جرعات صغيرة من السم تحفز نمو الخميرة، بينما تتسبب الجرعات الكبيرة في الضرر. وبينما يزعم بعض الباحثين أن الفائدة القصوى للخضروات تتركز في ”الفيتامينات“، دون إجراء ما يكفي من تجارب معملية عليها، لكن المفاجأة هي أن فائدة الخضار في تلك السموم التي تفرزها كي تحمي نفسها من أي هجوم والتي تمتصها أجسامنا بكميات
معقولة من شأنها تقوية مناعتنا. من هنا، نؤكد أن جرعات منخفضة من بعض السموم تصلح الأمور.
وظيفتك أم سمعتك ؟
هناك وظائف أو مراكز تتأثر بسمعة شاغليها: وهي سمة يتصف بها عصر الإنترنت التي لا يستطيع أحد التحكم فيها. من ثم، لا تسع وراءهما. فإن كنت ممن يلهثون وراءها ولا تعرف كيف تتحكم في سمعتك بفعل التدفق المعلوماتي، فاحرص على عدم التورط في أي موقف مُخجل من شأنه الإضرار بسمعتك. لكن الأفضل من هذا هو أن تضع نفسك في موقف تستفيد فيه من مقاومة المعلومات للهشاشة: إذ يتصف الكتاب بهذه الصفة، فالكتب الأكثر مبيعًا هي الأسوأ سمعة (مثل رواية ”شفرة دافنشي“)، بعكس المنتجات الأخرى أو المهن الأخرى.
لا تعي المؤسسات الكبرى والحكومات المردود القوي للمعلومات وقدرتها على التحكم في من يحاولون السيطرة عليها: فحين
تسمع المتحدث الرسمي لإحدى المؤسسات أو الحكومات الغارقة في الديون يحاول ”إعادة ترسيخ دعائم الثقة“، تأكد أن الكيان المذكور هش أو على شفا الانهيار. فالمعلومات لا ترحم أحدًا، وعقد مؤتمر صحفي واحد لتهدئة الرأي العام كفيل بإثارة الذعر بين المستثمرين مما يتسبب في إفلاس البنوك وانهيار البورصة. فحين لا تكون مدينًا لأحد، لن تخاف على سمعتك في الأوساط الاقتصادية.
وكقاعدة عامة: أصحاب السمعة الطيبة هم من لا يعبأون بها على الإطلاق. أما الضالون والفارون فهم يتحدثون عن القضية أكثر من غيرهم.
تعلم الترجمة دون معلم
يعد تعلم لغة جديدة عاملاً من عوامل الضغط: إذ إنك تتميز في اكتساب اللغة حين تقع في أزمة. أنت تريد التعبير عن ألم في معدتك بعد تناول وجبة في مطعم معين، فتظل ترتكب الخطأ تلو الآخر حتى تعبر عما تعانيه. لا تتعلق هذه المشكلة بتعلم كلمات جديدة، بل ببذل نوع مختلف من الجهد الذي يتطلبه التواصل وتتخلله قراءة أفكار الآخر بحيث تتلاشى مخاوف الوقوع في أخطاء. غير أن النجاح والثراء والتكنولوجيا تعيق مثل هذه الطريقة في اكتساب اللغات. ومن المدهش حقًا أن يكون أفضل طرق تعلم لغة
جديدة هو قضاء فترة في سجن دولة أجنبية. لقد استطاع أحد أصدقائي تحسين لغته الروسية بفضل قضائه فترة في معزل إحدى مستشفيات ”موسكو“ بسبب مرض خيالي، فيما يشبه عملية اختطاف ماكرة بحجة الإصابة بأمراض وهمية. حدث ذلك في أعقاب
انهيار ”الاتحاد السوفييتي“: إذ كانت المستشفيات تجبر الوافدين على المكوث بها وعدم مغادرتها إلا بعد دفع مبلغ ضخم من المال.
لقد كان صديقي بالكاد يعرف بعض الكلمات الروسية، لكن بسبب تلك التجربة القاسية صار يقرأ روايات ”تولستوي“ غير المترجمة ويفهمها.
نقلا عن www.edara.com
لقراءة الجزءالثالث إضغط هنا
تم نشر هذا المحتوي علي جريدة عالم التنمية برعاية
أكاديمية “بناة المستقبل” الدولية و” المنظمة الامريكية للبحث العلمي”
برئاسةأم المدربين العرب – الدكتورة “مها فؤاد” مطورة الفكر الإنساني
#بناة_المستقبل
#أكاديمية_بناة_المستقبل
#راعي_التنمية_بالوطن_العربي