جريدة عالم التنمية

كيف نقبل الأفكار؟

ما من شك أن الإنسان كائن في غاية التعقيد، وأي محاولة لسبر أسرار طرق تفكيره وقناعاته و تصرفاته لن تخلو من تفصيلات وتشابكات تتداخل فيها العوامل النفسيّة بكل غموضه، والثقافيّة بكل مكوناتها، والواقعيّة بكل معطياتها، فنجد أنفسنا في منطقة تجمع علوم شتى إن لم يكن جميعها، فما بين فلسفة و علم نفس وعلم مجتمع من الناحية الإنسانية للعلوم، وما بين طب وإقتصاد وسياسة وجغرافيا و وراثة من ناحية تطبيقية للعلوم؛ نجد الإنسان في تكوينه وطريقة تصرّفه أشبه ما يكون بجذع شجرة تجري فيه عمليات معقّدة مُستمّداً من بجذور متشعّبه و مُنتجاً في أخصان متفرّعة.

وسأحاول في هذا المقال المقتضب أن ألقي بعض الضوء على سؤال: كيف نقبل الأفكار؟ في محاولة الاقتراب من فهم الآلية التي نتعامل بها مع الأفكار فنقبلها أو نرفضها، وحديثنا سيقتصر على ما بعد مرحلة الطفولة، بحيث يكون الشخص قد امتلك طريقة للتفكير وكوّن مجموعة من التصورات و القناعات التي ستلعب الدور الأبرز في تعامله مع الأفكار، كما إنني سأعتمد أسلوب التمثيل؛ حيث سأقدم مثال لفكرة، ومن ثم أحاول العبور معها عبر نموذج قبولنا للأفكار الذي أقدمّه هنا.

هب أنني سمعت ذات يوم معلومة مفادها أن مجموعة من العلماء قد نجحوا في إجراء عملية استنساخ ناجحة لحيوان، فما هي مراحل تعاملي مع هذه الفكرة بدءً من سماعي لها وانتهاءً بحكمي عليها و التعامل معها؟

فعند سماعي لهذه الملعومة فإنها لا تدخل إلى عقلي وهو فارغ تماماً، بل ستجد نفسها في مواجهة طريقة تفكير قد اكتسبتها عبر مراحل عمري المختلفة، فإما أن منهجية تفكيري هي منهجية تقليديّة أتبع في التقليد الأعمى، أو إن منهجية تفكيري هي منهجيّة نقديّة تساؤلية جريئة أتّبع فيها منهج البحث و الدليل و البرهان، و وفقاً لطريقة أو منهجيّة التفكير هذه ستكون فكرة الاستنساخ هذه أمام أحد خيارين؛ فإن كان منهج تفكيري هو منهج التقليد فإنها ستعبر بشكل مباشر للقياس بما لدي من أفكار و تصورات سابقة كانت قد تكونت عندي نتيجة عوامل التربية والدين والتعليم و البيئة المحيطة بكل أعرافها و عاداتها حيث شكّل كل هذا ثقافة عامة أنتمي لها و أعتبرها مصدراً للحكم على الأفكار. فأصدر عليها حكماً سطحيّاً، بحيث إذا توافقت مع ما لدي قبلتها دون جهد أو عناء، وإن تعارضت رفضتها كذلك دون جهد أو عناء، وإن لم تكن لا هذا ولا ذاك فإنني قد آخذ تجاهها موقفاً محايداً و دون جهد أو عناء كذلك، وفي كل من الحالات الثلاث فإن حكمي هذا سيتحوّل لقناعة تزداد رسوخاً كلّما كان الحكم قويّاً عندي، وبالتالي تضاف هذه الفكرة لمجموعة القناعات الموجودة لدي، وبالتالي أشكّل تجاهها موقف معين (موقف إيجابي في حالة القبول، موقف سلبي في حالة الرفض، موقف محايد في حالة عدم قبولي أو رفضي)، حيث يمثّل الموقف هنا شعوري النفسي تجاه الفكرة وهذه مرحلة تأتي بعد مرحلة القناعة إذ قد أكون مقتنع بفكرة ما لكنني أشكّل تجاهها موقف مغاير -كأن أقتنع بأن الرياضة مفيدة لكن موقفي منها أنني لا أحبها مثلاً فأنا أرفضها برغم قناعتي- و أخيراً قد ينتج كل ذلك في شكل سلوك معيّن أو مجموعة من السلوكيات التي تعبّر عن قناعتي و موقفي تجاه فكرة الاستنساخ هذه، إذ قد يكون هذا السلوك في شكل عمل أو قول.

فتكون المحصّلة عندي:

فتكون المحصّلة عندي:

وفهم هذا النموذج يساعدنا في أمرين:

تم نشر هذا المحتوي علي جريدة عالم التنمية برعاية

أكاديمية “بناة المستقبل” الدولية

برئاسة أم المدربين العرب – الدكتورة “مها فؤاد” مطورة الفكر الإنساني

و” المنظمة الامريكية للبحث العلمي”

www.us-osr.org

Exit mobile version
التخطي إلى شريط الأدوات