أنشأت الأختان آية وموناز عبد الرؤوف علامتهما التجارية (Okhtein)، مستلهمتين في ذلك التراث المصري العريق، حيث بدأتا في العمل من خلال صفحتهما على منصة (Instagram)، لتواصلا تطوير شركتهما حتى أصبحت علامة أزياء عالمية يرتديها المشاهير مثل بيونسيه وجيجي حديد.
شعرت الأختان بالسعادة العارمة عندما أشادت آنا وينتور محررة مجلة (Vogue) المشهورة بأحدث مجموعة حقائب أطلقتها شركتهما، كان ذلك في سبتمبر/أيلول 2017 خلال مسابقة النسخة الإيطالية من المجلة (Vogue Italia). وشاركتا الأختان عملائهما هذه الأخبار الرائعة، وانتظرتا تلقي الكثير من الطلبات لشراء حقائبهما، إلا أن ذلك لم يحدث رغم شعورهما بالإثارة والتفاؤل، ومرت الأيام ولم يرتفع حجم طلبات الشراء كما كان متوقعاً، فأدركت الأختان أنهما إذا أرادتا إحداث ضجة كبيرة بمجموعتهما الحديثة فعليهما فعل ذلك في أقرب وقت، قالت آية لأختها وهي مستاءة “علينا أن نجعل بيونسيه ترتدي إحدى حقائبنا”. كان ذلك أمراً أشبه بالمستحيل، حيث كان الموعد النهائي لتجميع الطلبات بعد خمسة أيام فقط، ولم يكن هناك أمل في قدرتهما على التواصل مع منسقة أزياء بيونسيه. ولكن، وبعد ثلاثة أيام، تلقت الأختان إشعاراً على صفحتهما تشير إلى أن بيونسيه نشرت ثلاث صور لها على حساب (Instagram) الخاص بها وهي ترتدي إحدى حقائب علامة (أختين) من المجموعة السابقة. وبذلك تحقق ما تمنته آية.
وعلى الفور تغير كل شيء، حظيت علامتهما بترحيب عالم الموضة على الصعيد الدولي، وبدأت طلبات شراء الحقائب في الازدياد خلال يومين فقط قبل انتهاء الشركة من إنتاج المجموعة الجديدة. تقول موناز “لطالما آمنا أن التفكير الإيجابي يؤدي إلى حدوث الأشياء الإيجابية”. ثم اكتشفتا بعد ذلك أن منسقة أزياء بينوسيه وجدت حقيبتهما في أحد محلات الملابس بمدينة لوس أنجلوس.
اليوم، تشهد شركة (أختين) نمواً سريعاً لعلامتها مع ارتفاع المبيعات عام 2017 بنسبة %476، مقارنة بالعام السابق. وفي 2018، باعت الشركة ما يصل إلى 3 آلاف حقيبة، بنسبة مبيعات في الأسواق الدولية %34، وهو الإنجاز الكبير الذي دفع رائدتي الأعمال إلى الانضمام إلى قائمة فوربس 30 تحت الـ30 للشباب الأكثر تأثيراً لعام 2019.
استلهمت الأختان في إنشاء علامتهما (أختين) فن العمارة في القاهرة، كانا حينها في أوائل العشرينات من عمرهما، وشعرتا برغبة كبيرة في إنشاء شركة خاصة لهما، ووجدتا فرصة متاحة أمامهما في مجال الحرف اليدوية المصرية، التي شهدت تراجعاً كبيراً حينها. تقول موناز “مصر والوطن العربي يمتلكان كماً هائلاً من التراث، ولذلك فكرنا في الاستفادة من هذا التراث وتحويله إلى قطع فنية يمكن حملها”.
ومع رأس مال أولي لا يتعدى الخمسة آلاف دولار الذي قدمته لهما العائلة، حولت الأختان جزءاً من مكتب والدهما إلى مشغل، واستعانتا بخدمات أحد الصناع الحرفيين. وفي هذا الوقت كانت آية قد تخرجت للتو من الجامعة الأمريكية في القاهرة حيث درست تصميم الجرافيك، بينما عملت موناز- خريجة نفس الجامعة- في مجال الإعلانات لثلاث سنوات قبل أن تقرر المجازفة في مجال الأعمال. تقول آية “علمت منذ الثانوية أنه بمجرد إنهائي للدراسة الجامعية، سأبدأ مشروعي الخاص، وسأعمل على تنميته، كان هذا هو حس الريادة الذي دفعني إلى إنشاء (أختين)”. وفي الأيام الأولي للمشروع، عملت الأختان بحزم وعناية فائقة على تصاميم كل حقيبة مفردة، سواء اعتمدتا في ذلك على التصميمات المستلهمة من الثقافة المصرية، أو توجهتا أكثر إلى التصميمات التي تتجلى فيها روح تمكين المرأة.
وأطلقت الأختان صفحة خاصة لهما على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق علامتهما، كما أعلنتا أيضاً عنها في محادثات تطبيق (WhatsApp). وهذه الاستراتيجية البسيطة ساعدتهما على توسيع نطاق أعمالهما وصولاً إلى الصين وأستراليا. وبيعت حقائب (أختين) في عامها الأول بسعر يتراوح من 250 دولار إلى 500 دولار، ومعدل بيع شهري وصل من 50 حقيبة إلى 100 حقيبة، وبدأت الطلبات الدولية في الازدياد، ومع نمو الأعمال وازدهارها أنشأت الشركة موقعاً رسمياً لها. تقول موناز “لا أستطيع بيع حقيبة لعميل في استراليا من خلال محادثات تطبيق (WhatsApp)”.
تمسكت الأختان بمبادئهما الخاصة، حيث أدارتا الشركة بإحكام، ولم يجمعا أية تمويل خارجي خوفاً من خسارتهما الحرية الإبداعية في شركتهما. واعتمدتا فقط على المنح ودخول المسابقات التي تقدم الجوائز من الحوافز النقدية أو الدورات التوجيهية. إلا أن الأمور أصبحت أصعب كثيراً عليهما، حتى لم يستطيعا شراء الجلود وهي المادة الخام المستخدمة في إنتاج حقائبهما.
قررت المؤسِستان، بسبب حاجتهما إلى الأموال لمواصلة الإنتاج، إطلاق مجموعة صيفية لتحقيق الإيرادات ودعم رأس مال شركتهما. لاقت المجموعة التي أطلقا عليها اسم “النساء العرب الأصليات” رواجاً كبيراً بين محبي الموضة والأزياء في مصر، وبيعت المجموعة بأكملها خلال أسبوع واحد.
ومع استحواذ الشركة على مكانة لها في السوق، وجدت الأختان نفسيهما أمام الكثير من التحديات كان على الأختين تجاوزها، ومنها شراء المواد الخام لصناعة الحقائب، والتي كانت تُنتج بشكل كبير في مصر. كانت الشركة تحصل على المواد المستخدمة من مصادر خارجية، ما أدى إلى نفاد هامشهما بسبب انخفاض قيمة العملة التي شهدت انخفاضًا في قيمة الجنيه المصري إلى
32 %في البداية. ولم ترغب الأختان في خفض أسعار منتجاتهما لدرجة تدفعهما خارج فئة المنتجات الفاخرة ذات الأسعار المعقولة، فقررتا التضحية بجزء من هامش الربح.
وتحولت علامة الموضة هذه من مجرد علامة إلكترونية على الإنترنت إلى علامة دولية لها مقر ووجود ملموس في قطاع التجزئة، حيث عقدت الأختان صفقة مع محلات (Pop-Up) التجارية في مول الدون تاون، وفي محلات (ABnG) في الزمالك بالقاهرة لعرض منتجاتهما، ولكنهما اكتشفتا بعد ذلك أن هذه كانت خطوة خاطئة كلفتهما الكثير من الأموال، لم يدفعا لهذه المتاجر مبلغاً محدداً، ولكنها كانت تستقطع حصة لها تتراوح بين %30 إلى %40 من المبيعات، ولم يكن بمقدورهما حينها تحمل نفقات هذه العمولة.
ولكن، لم يردعهما ذلك عن محاولة تطويرهما للشركة، فقد وضعتا استراتيجية جديدة لتقليل حجم البضاعة المعروضة في المحلات، وترك فقط ما يكفي من المنتجات لتعريف المشترين المحتملين على شكل العلامة ونوعها. وأتاحتا أيضاً للعملاء خيار طلب الحقائب من على موقع (أختين) الإلكتروني، أو عبر صفحة الشركة على (Instagram)، مع تقديم خدمات التوصيل مجاناً، وإتاحة إمكانية إرجاع المنتجات. توضح موناز سبب قيامهما بذلك “رغم أن التوصيل كبّدنا الكثير من الأموال، إلا أن ذلك كان أقل تكلفة من تشغيل متجر تجاري”.
وفي عام 2017، تلقت شركة (أختين) دفعة قوية عندما فازت بمسابقة التصميم التي نظمت في فترة إطلاق مجلة (Vogue Arabi)، حيث ساعدتها هذه المنافسة في الحصول على تمويل بقيمة 25 ألف دولار، إضافة إلى الجلسات التوجيهية الأخرى التي كانت مؤسستاها بحاجة إليها، والمقدمة من مختلف المتخصصين المحترفين في هذا المجال. يقول رمزي طبيعات، أحد حكام المسابقة والمعلم المرشد لكل من آية وموناز “كانتا بحاجة إلى الإرشاد والتوجيه، خصوصاً فيما يتعلق بالجودة واللمسات النهائية والأسعار، رغم تمتعهما بهوية قوية لتصميماتهما والتي جذبت اهتمام الجميع”. تميزت الأختان بطلبهما للمشورة وتقبلها، حيث يتذكر رمزي تابيات عندما وقفتا أمام الحكام في المسابقة قائلاً “لقد كانتا المصممتان الوحيدتان اللتين أحضرتا معهما الدفاتر الجاهزة لتدوين ملاحظات الحكام وتعليقاتهم، ما جعلني أنظر إليهم بجدية بالغة”.
كانت مسابقة (Vogue) هي الدفعة الحقيقية التي جعلت (أختين) شركة دولية، وعقب ذلك بفترة ليست بكبيرة، بدأت متاجر الأزياء العالمية مثل (Bloomingdales) و(Harvey Nichols) ببيع حقائب علامة (أختين)، وفي الوقت نفسه، توسعت الشركة حتى ضمت ما يصل إلى 25 موظفاً بعد أن كانت قائمة على فريق عمل مكون من ثلاثة أفراد فقط، وافتتحت الأختان آنذاك أيضاً أول متجر رسمي لهما في القاهرة، في ظل محاولتهما للمحافظة على وجودهما في الأسواق الدولية عبر بائعي التجزئة الآخرين.
ومع تحقيق الشركة للمزيد من النجاح والتقدم، قررت الأختان المشاركة في الأعمال الخيرية عبر العديد من المنظمات غير الحكومية في مصر، التي تسعى إلى تمكين المرأة من الناحية المالية، حيث ضمت العلامة المنتجات المحلية المصنوعة من أيدي النساء المصريات المهرة من حيث التطريز والتصميم، كما عقدتا الكثير من صفقات التعاون المثمر مع المنظمات غير الحكومية، وجذب التزام (أختين) بالموضة الأخلاقية اهتمام الفنانة إيما واتسون، نجمة سلسلة أفلام هاري بوتر المشهورة، حيث ظهرت وهي مرتدية إحدى حقائبهما في عام 2017.
ويصادف نمو شركة (أختين) الرغبة المتزايدة لدى الناس في الاتجاه نحو المنتجات الراقية ذات الأسعار المعقولة. ووفقاً لأحد التقارير الصادرة من شركة (Goldstein Research)، فمن المتوقع نمو القيمة السوقية للمنتجات الفاخرة في الشرق الأوسط بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى %8.1 في الفترة ما بين عامي 2017 و2025.
وتوافق آمنة عباس، كبيرة المحللين لدى شركة (Euromonitor International)، على أن المنتجات الراقية ذات الأسعار المعقولة أصبحت هي الصيحة الرائجة في مجال التجزئة وعالم الأزياء، وتوضح “يرجع ذلك إلى اعتبار العلامات رمزاً دالاً على الوضع الاجتماعي بسبب أسعارها التنافسية، إن التركيز على القيمة أصبح هو العامل السائد دون المساس بمستوى العلامة، ولو حتى قليلاً، والتي تعتبر ضرورية لإظهار نمط أزياء الأفراد ومستواهم في المجتمع، ولذلك، استمر المستهلكون في تفضيل العلامات التي لها مكانة مميزة في السوق والتي تتمتع بأسعار تنافسية”.
اليوم، بدأت الأختان في التنويع من منتجاتهما المقدمة بدءاً من الحقائب وصولاً إلى الأحزمة والنظارات الشمسية والاكسسوارات الأخرى، وتخطط آية وموناز حالياً للدخول في الأسواق الجديدة مثل الهند وتركيا وأستراليا.
في العام الماضي، استعانت شركة (أختين) بشركة (Sign Up) المصرية الناشئة لمساعدتها على استخدام الذكاء الصناعي لفهم أوجه الفروق الدقيقة والمفصلة للموضة في أي سوق جديدة يرغبان في دخولها. وبمساعدة تكنولوجيا الخوارزميات، تقول رائدتا الأعمال إنهما الآن يمكنهما تحديد الألوان المعينة والأنماط المختلفة التي تفضلها كل مجموعة ديموغرافية من العملاء، ما يساعدهما على تصميم المنتجات خصيصاً لهم. على سبيل المثال، اكتشفت الأختان أن العملاء من المملكة العربية السعودية يفضلون الألوان الخضراء والحمراء عبر استخدام هذه الخوارزميات، وساعدهما ذلك على إضافة اللمسات المخصصة للتصميمات المعينة في العديد من الأسواق، إضافة إلى تحقيق خطط التوسع السريع.
ومما لا يثير الدهشة انتماء الأختان إلى عائلة من الفنانين الموهوبين، حيث تعترف كل من آية وموناز أنهما لم يمتلكا أية خلفية عن عالم الأعمال التجارية، إلا أنهما تمتعا بذوق عالي ورؤية للتصميم، وعندما كانتا صغيرتين كانتا تشتريان الحقائب الجلدية البسيطة غير المزودة بالتصاميم والزخارف، وكانتا تقطعان أجزاء من الحقائب الأخرى وتضيفاهما إلى الحقيبة الجديدة لتجميلها.
رغم تحويل الشقيقتين هذا الشغف إلى شركة (أختين) إلا أنهما لا تزالان تفتقران إلى الخبرة التطبيقية والمعرفة اللازمة بالأعمال، ما جعلهما تواجهان التجار غير المهنيين والمنتجين المزيفين الذين قلدا تصاميم علامتهما. تقول آية “كانت أصعب مرحلة واجهتها هي عندما أدركت إنه عليك أن تشكك في نية كل من تتعامل معه حتى تتأكد من صدقهم”. وبدلاً من أن تحبط عزيمتهما نتيجة ذلك، تعلمت الأختان أهمية توقيع العقود والحصول على حقوق الملكية الفكرية لكل تصاميمهما مع مرور الوقت.
تم نشر هذا المحتوي علي جريدة عالم التنمية برعاية
أكاديمية “بناة
المستقبل” الدولية
برئاسة أم
المدربين العرب – الدكتورة “مها فؤاد” مطورة الفكر الإنساني
و” المنظمة
الامريكية للبحث العلمي”
www.us-osr.org
